لعلني أبدأ حديثي بسرد قصتين لحالتين مختلفيتن من ضعف العضلات: الحالة الأولى
كانت لامرأة متزوجة تبلغ الثامنة والعشرين من عمرها وتعيش فى الولايات المتحدة تشكي من ضعف فى العضلات مما أزعج زوجها الذي بدأ رحلة العذاب معها من طبيب إلى آخر في بلد المهجر وقد عالجها البعض بناءا على تخمينه الطبي بأدوية لم تؤدي إلا إلى زيادة فى سوء حالتها وبقيت على هذه الحالة لمدة 3 سنوات كاملة من مركز إلى آخر. فجاءت إلى الأردن فى زيارة للأهل. فراجعت طبيب الأعصاب فحولها إلينا. وعندما جاءت إلى مختبري جاءت وهى ضعيفة وتتحرك بصعوبة كبيرة.
وعند إجراء فحص عينة العضلات تم تشخيصها وبعد إصدار التقرير قام الطبيب المعالج بتغيير علاجها إلى مايستجيب عليه التشخيص الجديد مما أدى إلى تحسنها تحسنا كبيرا جدا حتى أن زوجها وصف التقدم لها بأنها " عروس جيدة" وكان ذلك نتيجة اكتشاف المادة الناقصة عندها لبقاء عضلاتها قوية. أما القصة الأخرى فهي سيدة فى الرابع والعشرين من عمرها وقد خمن تشخيصها طبيب وبدأ علاجها لمدة 5 سنوات دون تقدم يذكر. بل أن حالتها بدأت تزداد سوءا. بعدها طلب مني طبيبها أخذ عينة لها من العضلات فتبين لنا أن مشكلتها فى ورم موجود فى الغدة "فوق الكظرية" يقلل من وجود البوتاسيوم فى الدم فأدى إلى إصابتها بضعف عضلات كبير. وعندما أزيل ورمها من الغدة "فوق الكظرية" عادت لها قوتها الكاملة. من تلك القصتين ومن قصص مشابهة كثيرة يتبين لنا أنه لا غنى للطبيب من أخذ عينة من العضلات لتشخيص حالة ضمور العضلات حتى لايصاب المريض بتدهور في صحته نتيجة عدم القدرة على التشخيص الدقيق لضعف العضلات. فضمور العضلات مرض منتشر في الأردن . ففي إحصائية في الأردن عن حالات ضمور للعضلات والتي تم تشخيصها عن طريق أخذ عينة من العضلات. كانت نصف هذه الحالات (50%) تصيب المرضى مادون سن 18 و 50% من الحالات الأخرى تصيب أشخاصا فوق سن 18. وكانت تتراوح أعمار المرضى من يوم واحد إلى مرضى بلغوا من العمر 72 سنة. وأعراض المرضى الذين يعانون من ضمور العضلات تتراوح بين أعراض بسيطة مثل نزول الحاجب على العين أو عدم القدرة على لعب الكرة أو طلوع السلم إلى حالات تكون الأعراض متوسطة من عدم الإستطاعة من القيام من وضع الجلوس إلى وضع الإستقامة إلا بجهد شديد وعدم القدرة على تمشيط الرأس إلا بصعوبة إلى درجة أكثر صعوبة وتتمثل فى عدم قدرة المصاب على الجلوس بتاتا أو حتى إيصال الطعام إلى فمه إلى الحالات التي يكون فيها المصاب مقعدا ويفقد معظم جسمه القدرة على الحركة حتى الخفيفة منها. من هذه الدراسة التي أجريت فى الأردن يتبين لنا أن مشاكل العضلات والضمور العضلي تصيب الإنسان في مختلف مراحل العمر فهي قد تصيب الصغار كما قد تصيب الكبار. والشكوى منها قد تكون كبيرة بحيث تمنع المصاب من حركة العضو المصاب وقد تكون خفيفة تؤدي إلى ضعف قليل فى بعض العضلات. كثير من هذه الأسباب يمكن تقليل تقدم المرض فيها إذا تم تشخيصها تشخيصا دقيقا ومبكرا. كان قديما يعتمد على تشخيص هذه الأمراض عن طريق الفحص السريرى فقط أو بفحص "كهرباء" العضلات أو بإجراء بعض الفحوصات القليلة. أما الآن فإن أخذ عينة من العضلات وفحصها بالطرق العلمية المتقدمة سيؤدي إلى معرفة أسباب ضمور العضلات واتخاذ الإجراءات المناسبة لوقفها.
أما أسباب ضمور العضلات فهي متعددة و تنقسم إلى عدة أقسام رئيسية:
1. أسباب تتعلق بتكسر ألياف العضلات نفسها: وهي عادة ماتصيب الصغار أو العقود الأولى من الحياة على حسب نوعها وتتميز بأنها عادة ماتكون تزداد سوءا كلما تقدم الإنسان في العمر وهي عادة ماتبدأ بالعضلات الإرادية وقد تنتقل الى العضلات اللاارادية. فيبدأ الإنسان المريض بالإحساس بصعوبة تسلق السلم إلى أعلى أو النهوض من حالة الجلوس. ويزداد الأمر سوءا فيصبح يواجه صعوبة فى الحركات الأقل صعوبة مما يؤدي في النهاية إلى جلوسه مقعد على كرسي متحرك. وتصيب فيما بعد عضلات المريء والتنفس فتؤدي إلى صعوبة فى البلع وصعوبة فى التنفس وبالتالي إلى كثرة الإلتهابات التنفسية. وقد تؤدي إلى إصابة عضلة القلب وبالتالي إلى الموت بهبوط القلب. وقد وجدنا فى دراستنا هذه أن هذا السبب يمثل 32.5% من حالات ضمور العضلات فى الأردن.
2. أسباب تتعلق بالأعصاب: نتيجة أن الأعصاب التي تغذي العضلات تصاب بمرض وبالتالى فإن العضلات لا تعمل بالشكل الصحيح مما يؤدي إلى ضمورها. وهذه الحالات قد تصيب القدرة على الحركة أو الإحساس أو الاثنان معا. وكان نسبة الإصابة نتيجة خلل في الأعصاب 20% وهذه بدورها تنقسم إلى عدة أسباب:

أسباب وراثية تؤدي إلى تكسر المادة الميلينية المغلفة للأعصاب
تكسر فى نخاع العصب نتيجة أمراض وراثية
التهابات بالأعصاب لوجود أجسام مضادة
التهابات بالأعصاب لوجود جراثيم خاصة بالأعصاب
وجود مواد سامة أو نتيجة أضرار من أدوية
التهابات بالأوعية المغذية للأعصاب
وجود زيادة فى مواد الأيض السامة لايستطيع الجسم التخلص منها نتيجة أمراض وراثية.
أمراض فى الجهاز العصبي المركزي
وجود أورام خبيثة فى الجسم تفرز موادا مهلكة للأعصاب
3. أسباب تتعلق بالتهابات فى العضلات: بعض الالتهابات قد تصيب العضلات وتؤدي إلى ضعفها عن أداء مهمتها وبالتالي إلى ضمورها وتآكلها. وقد تسبق هذه الحالات التهابات فيروسية بعدة أسابيع وقد مثل هذا السبب 15% من الحالات. كما وهذه تنقسم إلى عدة أسباب:

التهابات لوجود مضادات ضد العضلات
نتيجة التهابات جرثومية
التهابات نتيجة لوجود أجسام غريبة لم نعرف ماهيتها إلى الآن
4. أسباب تتعلق بالتركيبة المجهرية للعضلات نتيجة نقص بعض المواد أو الجزيئيات الخلقية وبالتالي تؤدي إلي ضعف العضلات وضمورها وتوقفها عن العمل. وقد تظهر هذه الأعراض على الأطفال فى سن مبكرة أو عند المراهقين أو البالغين أو حتى من تقدم به السن. وهذا السبب مثل 9% من الحالات.
5. أسباب تتعلق بالأدوية والهرمونات المفروزة من الجسم أو لوجود سرطان يفزر موادا يؤثر على قدرة العضلات على الحركة ويسبب لها الضمور. وقد مثل هذا السبب 4% من أسباب ضمور العضلات.
6. وجود تراكمات من مواد غير مهضومة فى الجسم وذلك بسبب تقص بعض انزيمات المتخصصة فى الأيض. وهذه تمثل 2.5%.
7. ضعف للعضلات نتيجة سوء استخدام للعضلة لعدم وجود تدريبات خاصة للعضلة وذلك خاصة بعد الإصابة بعد حادث فى الركبة أو في الكاحل. وهذه تمثل 2.5% من مجموع الأسباب
8. ضعف العضلات نتيجة وجود أجسام مضادة للمادة المنشطة للأعصاب كما هي فى حالة Myasthenia Gravis وفي هذا المرض يكون المريض أتعب مايكون فى الليل وأفضل حالاته في أول ساعات النهار ووقت استيقاظه من النوم. وعادة مايصيب المرض العضلات القوية الكبيرة من الفخذ والذراع مع فرصة لوجود نزول الحاجب على العين أو الحول وهذه تمثل حوالى 3.3% من الحالات.
9. ضعف فى العضلات ناتج عن أسباب خارجة عن العضلات نفسها أو عن الأعصاب وهذه تكون عادة عند المرضى الذين قد يعانون من عدة أمراض ولايستطيعون تحديد نوع الضعف الذي يشعرون به للطبيب بسبب كبر السن أو لوجود تخلف عقلي أو لوجود صرع وما شابهه. وهذا يمثل 11% من الحالات.
10. أسباب متباينة ونادرة أو قد تجمع أكثر من سبب فى وقت واحد وهذه تمثل بمجموعها 3.5%.

لابد ان علاج ضمور العضلات يعتمد اعتمادا كبيرا جدا على التشخيص الدقيق لسبب ضمور العضلات والتى كما أسلفت سابقا تتباين كثيرا . تشخيص ضمور العضلات يكون بأخذ عينة من العضلات المصابة أو من الأعصاب المريضة ويفضل ان تكون العينة من العضلات التى لاتتعرض لضربات أو تليفات طبيعية نتيجة موقعها. بعد أخذ العينات يجرى عليها صبغات خاصة لبحث انزيمات العضلات وتبيان نقصها أو اختلالها وطريقة ترتيبها فى العضلات. فى بعض الأمراض قد نحتاج الى عينة للفحص بالمجهر الالكترونى حيث تكبر اجزاء الخلية الى أكثر من مليون مرة. بعد تحديد السبب وراء ضعف العضلات يقوم الطبيب باعطاء العلاج المناسب الذى قد يشفى المريض من مرضه أو على الأقل يقلل من تدهور حالته. وبقيامنا بدراسة العضالات بهذا التفصيل الدقيق تم علاج كثير من المرضى وشفاؤهم. ولا زال الطب يتقدم فى تشخيص ضعف العضلات وطرق علاجها يوما بعد يوم . ولكن أول هذا التقدم يتم بدقة التشخيص.
الدكتور حسام أبو فرسخ