ما هو ارتفاع ضغط الدم ولماذا يُلقب بالقاتل الصامت؟

ارتفاع ضغط الدم، أو ما يُعرف طبيًا بـ"الهايبرتنشن"، هو حالة مزمنة تتميز بارتفاع مستوى الضغط داخل الشرايين بشكل مستمر. يُقاس الضغط الدموي بوحدة المليمتر زئبقي (mmHg)، ويتكون من رقمين رئيسيين: الضغط الانقباضي (الأعلى، الذي يحدث أثناء انقباض القلب) والضغط الانبساطي (الأدنى، الذي يحدث أثناء استرخاء القلب). القراءة الطبيعية تتراوح بين 120/80 mmHg أو أقل، بينما يُصنف الارتفاع عندما يتجاوز 130/80 mmHg.

يُلقب ارتفاع ضغط الدم بالـ"قاتل الصامت" لأنه غالبًا ما لا يظهر أعراضًا واضحة في مراحله المبكرة، مما يجعله يتطور دون إدراك المصاب. وفقًا لمنظمة الصحة العالمية (WHO)، يعاني أكثر من 1.28 مليار شخص حول العالم من هذه الحالة، وهي المساهم الرئيسي في الوفيات الناتجة عن أمراض القلب والأوعية الدموية، حيث تسبب حوالي 13% من الوفيات العالمية سنويًا. في الدول العربية، يصل معدل الإصابة إلى 30-40% بين البالغين، مما يجعل الكشف المبكر أمرًا حاسمًا لتجنب المضاعفات الخطيرة مثل السكتات الدماغية، النوبات القلبية، وفشل الكلى.

## أسباب ارتفاع ضغط الدم: العوامل الرئيسية والمخاطر

ينقسم ارتفاع ضغط الدم إلى نوعين أساسيين: الابتدائي (الأساسي)، الذي يحدث تدريجيًا دون سبب واضح ويشكل 90-95% من الحالات، والثانوي، الذي يرتبط بأمراض أو عوامل أخرى مثل اضطرابات الغدة الكظرية أو انسداد الشرايين الكلوية.

### العوامل الوراثية والجينية
تلعب الوراثة دورًا كبيرًا؛ إذا كان أحد الوالدين مصابًا، يزداد خطر الإصابة بنسبة 30-50%. الجينات المسؤولة عن تنظيم الأوعية الدموية والصوديوم في الجسم قد تكون معيبة، مما يؤدي إلى صلابة الشرايين أو احتباس السوائل.

### نمط الحياة غير الصحي
- **السمنة**: زيادة الوزن ترفع الضغط بنسبة 5-10 mmHg لكل 10 كيلوغرامات إضافية، حيث يضغط الدهون على الأوعية الدموية.
- **التغذية السيئة**: الإفراط في الملح (أكثر من 5 غرامات يوميًا) يحتفظ بالسوائل ويزيد الضغط، بينما نقص البوتاسيوم يعيق توازن الصوديوم.
- **قلة النشاط البدني**: الجلوس لساعات طويلة يقلل من مرونة الشرايين، مما يرفع الضغط بنسبة تصل إلى 20%.
- **التدخين والكحول**: النيكوتين يضيق الأوعية، والكحول الزائد يرفع الضغط مؤقتًا ثم دائمًا إذا استمر.

### العوامل الطبية والعمرية
مع التقدم في العمر، تصبح الشرايين أقل مرونة، خاصة بعد سن 45 للرجال و55 للنساء. كما يرتبط ارتفاع الضغط بأمراض مثل السكري، ارتفاع الكوليسترول، والتوتر النفسي المزمن، الذي يفرز هرمونات مثل الكورتيزول التي تضيق الأوعية.

## الأعراض: لماذا يصعب اكتشافه مبكرًا؟

معظم المصابين لا يشعرون بأي أعراض حتى يصل الضغط إلى مستويات خطيرة (أعلى من 180/120 mmHg)، حيث يُعرف ذلك بـ"أزمة الضغط". في هذه الحالة، قد تظهر:
- صداع شديد، خاصة في الجزء الخلفي من الرأس.
- دوار، غثيان، أو تشوش في الرؤية.
- ألم في الصدر أو ضيق في التنفس.
- نزيف أنفي أو إرهاق شديد.

ومع ذلك، في المراحل الأولى، قد يشعر البعض بإرهاق خفيف أو صعوبة في التركيز، لكن هذه الأعراض غير محددة وتُنسب إلى الإجهاد اليومي. هذا الغموض هو ما يجعل الكشف الذاتي صعبًا، ويبرز أهمية الفحوصات الدورية.

## كيفية الكشف المبكر: الخطوات العملية للوقاية من فوات الأوان

الكشف المبكر هو المفتاح للسيطرة على ارتفاع الضغط، ويمكن تحقيقه من خلال مزيج من الفحوصات الطبية والمراقبة الذاتية. إليك دليلًا منظمًا:

### 1. قياس الضغط الدموي بانتظام
- **الفحص الطبي**: يُنصح بقياس الضغط كل عامين للبالغين الأصحاء، وكل 6 أشهر إذا كان هناك عوامل خطر (مثل السمنة أو تاريخ عائلي). في العيادات، يستخدم جهاز القياس اليدوي أو الآلي للحصول على قراءة دقيقة.
- **المراقبة المنزلية**: اشترِ جهاز قياس منزلي موثوق (مثل تلك المعتمدة من جمعية القلب الأمريكية) وقيس الضغط يوميًا في الصباح والمساء. اجلس بهدوء لمدة 5 دقائق قبل القياس، مع وضع الذراع على مستوى القلب. سجل القراءات في دفتر أو تطبيق هاتفي لمشاركتها مع الطبيب.
- **المراقبة على مدار 24 ساعة**: في الحالات المشبوهة، يُستخدم جهاز محمول يقيس الضغط كل 15-30 دقيقة طوال اليوم للكشف عن الارتفاع الليلي أو اليومي.

### 2. التحاليل والفحوصات الداعمة
- **فحص الدم**: يكشف عن مستويات الكوليسترول، السكر، وظائف الكلى (مثل الكرياتينين)، والهرمونات لتحديد النوع الثانوي.
- **فحص البول**: يبحث عن البروتين، الذي يشير إلى تلف الكلى الناتج عن الضغط المرتفع.
- **التصوير**: تخطيط القلب (ECG) أو الإيكو للكشف عن تضخم البطين الأيسر، وتصوير الشرايين للكشف عن التصلب.
- **فحوصات التوتر**: اختبارات مثل اختبار الجهد على الدراجة لقياس تأثير النشاط على الضغط.

### 3. علامات الإنذار اليومية
راقب وزنك، واستهلاك الملح، ومستويات التوتر. إذا لاحظت ارتفاعًا مفاجئًا في الضغط أثناء النشاط اليومي، استشر الطبيب فورًا. التطبيقات مثل "Blood Pressure Monitor" أو "MyTherapy" تساعد في تذكيرك بالفحوصات وتسجيل البيانات.

## استراتيجيات الوقاية والسيطرة: تغييرات في نمط الحياة والعلاج

ليس الكشف وحده كافيًا؛ الوقاية تبدأ بتعديلات يومية:

### تغييرات غذائية
اتبع نظام DASH (Dietary Approaches to Stop Hypertension)، الذي يركز على الفواكه، الخضروات، الحبوب الكاملة، والألبان قليلة الدسم. قلل الملح إلى أقل من 2.3 غرام يوميًا، وزد البوتاسيوم من خلال الموز، السبانخ، والبطاطس. تجنب الوجبات السريعة والمشروبات الغازية.

### النشاط البدني
مارس 150 دقيقة أسبوعيًا من التمارين المعتدلة مثل المشي السريع، السباحة، أو ركوب الدراجة. هذا يخفض الضغط بنسبة 5-8 mmHg. ابدأ ببطء إذا كنت غير نشيط، واستشر الطبيب إذا كان الضغط مرتفعًا.

### إدارة التوتر والسلوكيات الضارة
مارس التأمل أو اليوغا لمدة 10 دقائق يوميًا لتقليل هرمونات التوتر. أقلع عن التدخين فورًا، وحجم الكحول إلى كأس واحد يوميًا للنساء واثنين للرجال. الحفاظ على وزن صحي (مؤشر كتلة الجسم 18.5-24.9) يقلل الخطر بنسبة 20%.

### العلاج الدوائي
إذا لم تكفِ التغييرات، يصف الطبيب أدوية مثل مثبطات الإنزيم المحول للأنجيوتنسين (ACE inhibitors) أو حاصرات بيتا، التي تخفض الضغط بنسبة 10-20 mmHg. الالتزام بالجرعات أمر أساسي، مع متابعة دورية كل 3-6 أشهر.

## المضاعفات إذا تم تجاهل الكشف المبكر

دون تدخل، يؤدي الضغط المرتفع إلى تلف الأوعية الدموية تدريجيًا. تشمل المضاعفات:
- **أمراض القلب**: تضخم القلب، الذبحة الصدرية، أو النوبة القلبية.
- **السكتة الدماغية**: انفجار أو انسداد شريان دماغي، مما يسبب شللًا أو وفاة.
- **مشاكل الكلى**: فشل كلوي مزمن يتطلب غسيل كلى.
- **مشاكل العيون**: تلف الشبكية يؤدي إلى فقدان البصر.
- **الضعف الجنسي**: خاصة عند الرجال بسبب تلف الأوعية في الحوض.

في المنطقة العربية، ترتفع هذه المخاطر بسبب انتشار السمنة والسكري، مما يجعل الوعي أكثر أهمية.

## نصائح للمجموعات المعرضة للخطر

- **كبار السن**: قيس الضغط شهريًا، وركز على التمارين الخفيفة.
- **الحوامل**: راقب الضغط للكشف عن تسمم الحمل (الارتفاع المفاجئ).
- **الأطفال والمراهقين**: نادرًا ما يحدث، لكنه مرتبط بالسمنة؛ فحص سنوي إذا كان هناك تاريخ عائلي.
- **المرضى المزمنون**: دمج فحص الضغط في متابعة السكري أو الكوليسترول.

باتباع هذه الإرشادات، يمكن لأي شخص تقليل مخاطر "القاتل الصامت" واستعادة حياة صحية متوازنة.